فصل: (سورة الكوثر: الآيات 1- 3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة الكوثر:
عدد 15 – 108.
نزلت بمكة بعد العاديات.
وهي ثلاث آيات.
وعشر كلمات.
واثنان وأربعون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
ويوجد في القرآن أربع سور مبدوءة بما بدئت به هذه والفتح ونوح والقدر.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
ولم تكرر بالقرآن كله.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {إِنَّا} نحن إله السموات والأرض وما فيهما وما فوقهما وتحتهما {أَعْطَيْناكَ} يا أكمل الرسل {الْكَوْثَرَ 1} نهرا في الجنة يدعى بهذا الاسم روى البخاري ومسلم عن أنس قال: «بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلت ما أضحكك يا رسول اللّه قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ} إلخ قال: أتدرون ما الكوثر قلنا اللّه ورسوله أعلم: قال فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل، خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج (أي يذاد عنه ويمنع) العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك».
وقد ذكرنا في تفسير الآية 6 من سورة المزمل المارة أنها نزلت في اليقظة وأن حضرة الرسول حينما أغفى هذه الاغفاءة رأى نفس النهر الذي أخبره به ربه في هذه السورة فذكره لأصحابه ويؤيد هذا قوله في الحديث (آنفا) أي قبل الوقت الذي ذكر لهم الحديث عنه، لأن هذه اللفظة تفال على ما قبل المتكلم ويطلق الكوثر على الخير الكثير أي أن اللّه تعالى إعطاء خيرا كثيرا جزيلا في جملة نهر الكوثر، قالت عائشة: ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنه إلا يسمع خرير ذلك النهر وهو على التشبيه البليغ وإذا كان كذلك وهو كذلك {فَصَلِّ} يا حبيبي وادع واذكر وتفرغ {لِرَبِّكَ} الذي رباك وأغدق عليك نعمه وأعزّك بعطائه وشرفك بانتسابك اليه وصانك من منن الخلق مراغما لقومك الذين يعبدون غيري {وَانْحَرْ 2} ما تذبحه من الأنعام لوجهي وباسمي مخالفا عادة قومك الذين يذبحون للأوثان ويذكرون أسمائها على ذبائحهم {إِنَّ شانِئَكَ} مبغضك {هُوَ الْأَبْتَرُ 3} المنقطع عن الخير الذي لا يذكر بعد موته بخير ما والأبتر في عرفهم الذي لا عقب له.
نزلت في العاص بن وائل إذ أطلق على حضرة الرسول لفظ الأبتر بسبب موت أولاده الذكور فرد اللّه عليه بأنه هو الأبتر المنقطع دابره وأنت الأعز الأشرف الذي يبقى ذكره مرفوعا لآخر الدهر، وقد ذكرنا عدم اتجاه قول من نسى هذه الصلاة وفي كافة السور التي نزلت قبل الاسراء بالصلاة المفروضة أو بصلاة العيد لأنهما لم يفرضا بعد ولم يكن في مكة صلاة عيد البتة والقول بأن السورة مدنية ضعيف مخالف لما عليه الجمهور وأضعف منه القول بأنها نزلت مرتين وأن تلاوتها عند وجوب صلاة العيد ونحر الضحايا لا يعني أنها نزلت ثانيا ولا مانع أن يقال أنها من المقدم نزوله على حكمه المار ذكره في الآية 10 من سورة الأعلى، واللفظ يحتمل ذلك وفيها من الأخبار بالغيب بأن اللّه تعالى بوسع على نبيه صلى الله عليه وسلم ويكثر من النحر، وأنها ستكون صلاة تسمى صلاة العيد، وتكون بعكس ما تأخر حكمه عن نزوله كما في الآية 15 من سورة الأعلى المارة.
وما قيل إنها نزلت في أبي جهل عند وفاة ابراهيم ابن حضرة الرسول لا صحة له لأن الخبيث قتل قبل وفاته على التحقيق لأنه من مارية القبطية وقد أهديت للرسول وهو بالمدينة.
وكذلك القول بنزولها في أبي لهب غير صحيح للعلة نفسها وقد فندنا القول بنزول بعض القرآن مرتين من سورة الفاتحة المارة، هذا وهذه أقصر سورة في القرآن من حيث الآيات والكلمات وقد جرى على ألسنة بعض الجهلة (أقصر من سورة الكوثر) وهذا لا يجوز البته لأن القرآن عبره ومواعظه جليلة في قليله وكثيره، وهو انما أنزل ليعتبر ويتعظ به لا ليتمثل به فحسب مما هو غير لائق بجلالته راجع سورة الفيل الآتية تجد ما يتعلق بهذا البحث.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم كثيرا. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الكوثر:
مكية أو مدنية.
{وانحر} جائز وقال أبو عمرو تام.
آخرها تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الكوثر:
مكية أو مدنية.
{الكوثر} لم ينص عليه أحد وله حيثيتان فمن حيث الابتداء بالفاء ليس بوقف لأنَّ الفاء السببية في مقام لام العلة ولو كان بدل الفاء واو لحسن الابتداء بما بعده وذكر بعضهم الوقف على نظيره لأنهم يشترطون لصحة الوقف صحته على نظيره كما في قوله: {ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} هنا الوقف لأنَّ الأمر يبتدأ بالفاء ومثله الوقف على {الغيب لله} لأنَّ جواب الأمر منقطع لفظًا متصل معنى ولا بعد لأنَّ يوسم هنا بالجواز لكونه رأس آية وفيه أيضًا التفات من التكلم إلى الغيبية وذلك من مقتضيات الابتداء ومن هذه الحيثية يجوز الوقف على {الكوثر} والابتداء بما بعده ولو مع الفاء يقال أعطيت وأنطيت وقرأ الحسن وغيره {إنَّا أنطيناك الكوثر}.
{وانحر} جائز وقال أبو عمرو تام للابتداء بأن.
آخرها تام. اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال الدمياطي:

سورة الكوثر:
مدنية وقيل مكية.
وآيها ثلاث.
وقرأ {شانيك} الآية 3 بإبدال الهمزة ياء مفتوحة أبو جعفر كوقف حمزة. اهـ.

.قال عبد الفتاح القاضي:

سورة الكوثر:
{وانحر إن} لا يخفى ما فيه من النقل لورش ومن السكت وغيره لحمزة وصلا ووقفا.
{شانئك} أبدل أبو جعفر الهمزة ياء خالصة في الحالين وكذلك حمزة إن وقف. اهـ.

.فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة:

.قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم:

سورة الكوثر:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الكوثر: الآيات 1- 3]

{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

.الإعراب:

(الفاء) عاطفة للربط السببيّ {لربّك} متعلق بـ: (صلّ)، {هو} ضمير فصل.
جملة: {إنّا أعطيناك...} لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: {أعطيناك...} في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: {صلّ...} لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي انتبه لهذا فصلّ.
وجملة: {انحر...} لا محلّ لها معطوفة على جملة صلّ.
وجملة: {إنّ شانئك هو الأبتر} لا محلّ لها استئنافيّة.

.الصرف:

{الكوثر}، اسم علم لنهر في الجنّة، وزنه فوعل من الكثرة، والعرب تسمّي كلّ شيء كثير العدد أو كثير القدر والخطر كوثر، أو هو وصف لموصوف محذوف أي الخير الكوثر.. وفي التفسير لمعنى الكوثر ستة عشر قولا.. كالحوض والنبوّة والقرآن... إلخ.
{شانئك}، اسم فاعل من شنأ بمعنى أبغض، وزنه فاعل.
{الأبتر}، صفة مشبهة من بتر بمعنى قطع باب نصر متعدّ، ومن باب فرح بمعى انقطع لازم، وزنه أفعل أي منقطع العقب.

.البلاغة:

1- فن المذهب الكلامي: في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}.
والمذهب الكلامي أنواع، منه نوع منطقي تستنتج فيه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة. فإن هاتين الآيتين تضمنتا نتيجة من مقدمتين صادقتين، وبيان ذلك أنّا نقول: إن عطية الكوثر تعدل جميع العطيات، وإنما قلنا ذلك لأن الشكر على مقادير النعم، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقابل هذه النعمة بجميع العبادات البدنية والمالية شكرا عليها، والصلاة جامعة لكثير من العبادات، ثم أمر عليه الصلاة والسلام مع الصلاة بالنحر، ولا يخلو من أن يراد به الحج الجامع لبعض العبادات، فما تضمنته هاتان الآيتان، على قصرهما، من الإشارة التي دلّت بألفاظها القليلة على معان، لو عبّر عنها بألفاظها الموضوعة لها بطريق البسط لملأت الصحائف والأجلاد.
2- الالتفات: في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ}.
في هذا الالتفات عن ضمير العظمة، إلى خصوص الرب، مضافا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام، تأكيد لترغيبه صلى الله عليه وسلم في أداء ما أمر به على الوجه الأكمل.
3- الاستعارة: في قوله تعالى: {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.
قيل لمن لا عقب له أبتر، على الاستعارة، حيث شبه الولد والأثر الباقي بالذنب، لكونه خلفه، فكأنه بعده، وعدمه بعدمه.

.الفوائد:

قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه السورة، ثم قال لأصحابه: «أتدرون ما الكوثر؟».
قلنا: اللّه ورسوله أعلم.
قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عددنجوم السماء، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك». هذا لفظ مسلم.
والبخاري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:«لما عرج بي إلى السماء، أتيت على نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينة مسك أذفر».
عن أنس رضي اللّه عنه قال: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ قال: ذلك نهر أعطانيه اللّه- يعني في الجنة- أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل. فيه طير أعناقها كأعناق الجزور. قال عمران: هذه لناعمة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أكلتها أنعم منها». أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(108) سورة الكوثر:
مكيّة.
وآياتها ثلاث.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الكوثر: الآيات 1- 3]

{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}

.اللغة:

{الْكَوْثَرَ} في القاموس: والكوثر الكثير من كل شيء والكثير الملتف من الغبار والإسلام والنبوّة وقرية بالطائف كان الحجاج معلما بها والرجل الخير المعطاء كالكثير كصيقل والسيد والنهر ونهر في الجنة تتفجر منه جميع أنهارها. وعبارة الزمخشري: والكوثر فوعل من الكثرة قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر بم آب ابنك؟ قالت آب بكوثر وقال:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب ** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

والبيت للكميت والعقائل خيار النساء والكوثر بليغ النهاية في الخير.
وعبارة ابن خالويه: والكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب وحصباؤه المرجان والدرّ وحاله المسك يعني الحمأة وماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وقيل الكوثر الخير الكثير ومنه القرآن وهو فوعل من الكثرة والواو زائدة مثل كوسج ونوفل، والكوثر في غير هذا الرجل السخي قال الشاعر:
وأنت كثير يا ابن مروان

البيت.
وأورد القرطبي للكوثر ستة عشر قولا في الكوثر وقال وأصحّها الأول يعني أنه نهر في الجنة لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا.
{شانِئَكَ} مبغضك وفي المصباح شنئه كسمعه ومنعه شنئا مثل فلس وشنآنا بفتح النون وسكونها أبغضه والفاعل شانئ في المذكر وشانئة في المؤنث وشنئت بالأمر اعترفت به. وقال ابن خالويه: الشانئ: المبغض قال الأعشى:
ومن شانئ كاسف وجهه ** إذا ما انتسبت له أنكرن

{الْأَبْتَرُ} هو الذي لا عقب له وهو في الأصل الشيء المقطوع من بتره أي قطعه وحمار أبتر لا ذنب له ورجل أباتر بضم الهمزة أي قاطع رحمه، وعبارة ابن خالويه: معناه إن مبغضك يا محمد هو الأبتر أي لا ولد له والأبتر الحقير والأبتر الذليل والأبتر من الحيات المقطوع الذنب والأبتر ذنب الفيل، كانت قريش والشانئون لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: إن محمدا صنبور أي فرد لا ولد له فإذا مات انقطع ذكره فأكذبهم اللّه تعالى وأعلمهم أن ذكر محمد مقرون بذكره إلى يوم القيامة إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا اللّه قال: أشهد أن محمدا رسول اللّه. والصنبور النخلة تبقى منفردة ويدق أسفلها، قال: ولقي رجل رجلا فسأله عن نخلة فقال صنبر أسفله وعشش أعلاه، والصنبور أيضا ما في فم الإداوة من حديد أو رصاص، والصنبور الصبي الصغير، قال أوس بن حجر:
مخلّفون ويقضي الناس أمرهم ** غشّ الأمانة صنبور فصنبور

وفي المختار: بتره قبل التمام وبابه نصر والانبتار الانقطاع والأبتر المقطوع الذنب وبابه طرب والأبتر أيضا الذي لا عقب له وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر..